تضامن: بالرغم من العديد من الإنجازات التي لا يمكن إغفالها تشريعيًا لكن مشتركة اقتصادية منخفضة يجب البناء على الإنجاز
تشير جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن" إلى أحدث المؤشرات الرسمية الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة المتعلقة بنسب البطالة والعمالة خلال الربع الأول من عام 2025 حيث بلغت نسبة البطالة 21.3% (31.2% إناث، 18.6% ذكور).
تؤكد هذهِ الأرقام إلى استمرار الفجوة الواسعة بين الذكور والإناث في سوق العمل الأردني، وهي فجوة لا يمكن قراءتها إلا في سياق منظومة اجتماعية واقتصادية (بنيوية) وتشريعية، ما زالت تُقصي النساء وتُعيق مشاركتهن الفاعلة رغم العديد من الإنجازات التي يجب البناء عليها، إضافة إلى تقدم الإناث في التعليم وتعدد أدوارهن في المجتمع، إلا أنهنّ يواجهنّ معدلات بطالة عالية ومشاركة اقتصادية منخفضة في سوق العمل، تؤثر على المرأة والأسرة والمجتمع والدخل القومي.
تعتبر تضامن أن البطالة بين النساء هي شكل من أشكال العنف الاقتصادي ومدخلًا للعنف
تنوه "تضامن" إلى مستويات البطالة بين الإناث في الأردن بلغت 31.2% مقابل 18.6%بين الذكور وذلك خلال الربع الأول من عام 2025، وهي فجوة ليست ناتجة عن "ضعف تأهيل الإناث أو قدراتهنّ"، إنما عن تمييز منهجي بنيوي يتمثل في قلة الفرص الملائمة و المستجيبة لاحتياجات النساء وظروفهن المجتمعية، وبعض الأشكال الثقافية التي ما زالت ترى النساء في أدوار محددة، بالإضافة إلى بيئات عمل غير صديقة وغير داعمة للنساء، لا سيما في بعض مؤسسات القطاع الخاص، وهذا ما يفسر انسحاب النساء المبكر من سوق العمل وخاصة في ظل غياب الاستقرار، وعدم الاستفادة من كما يجب من ساعات العمل المرنة في نظام العمل المرن.
وتتساءل "تضامن" حول استمرار هذه البطالة المرتفعة هل تعتبر البطالة المستمرة بين الإناث شكل من أشكال العنف الاقتصادي الممنهج، في ظل حقوق اقتصادية لا تزال تعاني من التهمش، رغم أنهن يمثلن طاقات بشرية متعلمة وكفؤة ومهيأة لسوق العمل، وتشكل إضافة ونقلة نوعية في حال تم الاستثمار في هذه الطاقات.
المشاركة الاقتصادية للنساء في تراجع والتمكين لا يحدث من تلقاء نفسه
توضح "تضامن" أن هناك تراجع بنسبة مشاركة النساء الاقتصادية من 15.5% في الربع الأول من عام 2024 إلى 14.5% في عام 2025، مقابل مشاركة مستقرة نسبيًا للرجال (من 53.7%إلى 51.2% و هو مؤشر على أن السياسات الحالية لم تنجح في إزالة الحواجز الأساسية أمام إشراك النساء سوق العمل بشكل فاعل، بل وتُركت النساء لمواجهة واقع معيق في ظل غياب بعض من التدابير الداعمة على الرغم من حضورها تشريعيًا وقانونيًا وتحتل قمة الهرم في الإرادة السياسية العليا، مثل ضمانات لبيئة عمل خالية من التمييز والتحرش، بالإضافة إلى مشكلة المواصلات التي تتمثل بالنقل الآمن والمتاح للنساء العاملات وبكلفة بسيطة تواءم مع دخل النساء العاملات، خاصة في المحافظات، وسياسات مرنة في التشغيل والدوام الجزئي والمبادرات الريادية، مع تعزيز وتكريم النماذج المثالية التي تعمل وفق هذا المنهج.
نساء معيلات في الظل: وانخفاض الحماية والدعم في الواقع
تكشف الأرقام والإحصاءات إن نسبة النساء اللواتي يرأسن أسرهنّ في الأردن بلغت 20.8% عام 2024، أي أن أكثر من نصف مليون أسرة تقودها نساء، ورغم ذلك، فإن السياسات الاقتصادية لا تزال تفترض أن "الرجل هو المعيل حتميًا"، وهو افتراض يكرّس الإقصاء ويُقصي النساء من الحقوق الاقتصادية الكاملة كالمخصصات، والدعم، والتمويل، والإعفاءات، رغم أن واقع الحال يشير إلى غير ذلك، فالمرأة المعيلة يتعلق بها العديد من الأدوار المركبة التي تحتاج إلى الدعم والمساندة.
إن هذا الواقع يعكس تجاهلاً مؤسسيًا لمكانة النساء كدعامات اقتصادية واجتماعية، ويضع أعباءً إضافية على المعيلات في ظل غياب سياسات حماية اجتماعية مستجيبة لاحتياجات الإناث.
مفارقة في التعليم وسوق العمل والتمييز البنيوي لا يعترف بالكفاءة
تشدد "تضامن" على لغة الأرقام التي تشير إلى أن 75.6% من النساء العاملات يحملن شهادة بكالوريوس، مقابل 27.1%فقط من الذكور، ومع ذلك نجد أن النساء يُستبعدن من فرص التوظيف، مما يعكس فجوة معرفية- تطبيقية، حيث لا تتاح الفرص المناسبة المبنية على اجتهاد النساء العلمي وقدراتهنّ كما يكون للذكور، بل يُقابل بإقصاء وهيمنة على سوق العمل استنادًا إلى الحقائق والأرقام والنسب المئوية.
أما من حيث المستوى التعليمي المنخفض، فـ 55.2% من الذكور في قوة العمل هم ممن لم يكملوا الثانوية، مقابل 8.5%فقط من النساء، مما يُبرز مفارقة غريبة في وضع النساء المؤهلات بأنهنّ يُقصين من سوق العمل.
كما تنوه "تضامن" إلى أن التمييز في سوق العمل لا يحدث صدفة، إنما نتيجة تراكم سياسات وممارسات تعكس، سيطرة أطراف معينة على السياسات العامة تُقصي النساء من مواقع صنع القرار، وتغيب المقاربات النسوية في تصميم وتنفيذ البرامج الاقتصادية، بالإضافة إلى ضعف الاستثمار في تمكين النساء من خلال برامج تدريب وتشغيل مستجيبة لاحتياجاتهن وظروفهن، والتي لا تنسجم مع التوجهات العامة للدولة الأردنية المعلن عنها.
تدعو "تضامن" إلى اعتماد مقاربة حقوقية نسوية في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية، تتمثل في إعادة هيكلة سوق العمل من منظور النوع الاجتماعي لضمان المساواة في الفرص والتمكين، وتفعيل القوانين والأنظمة التي تجرّم التمييز والعنف الاقتصادي ضد النساء في العمل، بالإضافة إلى دمج النساء في كافة مراحل صنع القرار الاقتصادي على المستويين الوطني والمحلي، وتمويل برامج تشغيلية وريادية للنساء، وخاصة المعيلات، وربطها بالحماية الاجتماعية، والأمن السلم المجتمعي.
يأتي هذا البيان في إطار مشروع سياسات لمناهضة العنف في بيئة وعالم العمل المنفذ من قبل جمعية معهد تضامن النساء الأردني والممول من الصندوق الافريقي لتنمية المرأة.
4/6/2025
جمعية معهد تضامن النساء الأردني- زهور غرايبة